أنا مثقلة بالتعاسة اليوم..
استيقظت وقلبي يشبه قطنة مغمورة بالماء لشدة ثقله!
متعبة جدا، وفكري مشوش، وحزينة إلى أبعد الحد
هكذا شعرت أنه لن ينقذني أحد
وفكرت، ربما تستطيع الكتابة أن تخفف من حملي..
منذ زمن لم أكتب شيئا، أفتقد ذلك..
اليوم الجمعة، وأنا لا زلت متعبة قليلا على أثر ما جرى يوم الخميس
يوم ثقيل.. مزحوم بالعمل منذ أول لحظة دخلت فيها المدرسة
أتذكر شخص ما، ولكي أكون أكثر دقة فهي "شخصة"
هذه الشخصة التي قالت باستنكار حين كنت أبرر قلة خروجي من البيت بالتعب من العمل:
- ويش يتعبكم، الساعة 1 انتون مخلصين!
لا أفهم لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة الفظة..
وفي موقف آخر حين كنا نتحدث عن إجازة الربيع قالت:
- المفروض ما يعطون المعلمين إجازة، خلهم يشتغلون!
لا علينا، لا أهمية لكلامها بالنسبة لي لأنه لا يقدم ولا يؤخر
وبالرغم من كل ما قالته سأظل منهكة، تكاد روحي تهرب من جسدي..
أشعر بالاستياء فقط، لأنه لا أحد يستطيع أن يفهم
بل الحقيقة هي: لا أحد يريد أن يفهم
وأعود كي أقول من جديد لا أريد أن أهتم، لأن ذلك واقعا لن يغير شيئا
لا أريد تعاطفا!
لم أتكلم كي يقال لي كم أنا مسكينة!
وأعلم أن هناك من لا يملك عملا
وأعلم أن هناك من يحلم أن يحصل على عملي
أعلم ذلك جيدا
وكلامي الآن لا يعني اعتراضي على الله
اللهم لا اعتراض!
أنا مقتنعة بأني لن آخذ سوى رزقي ونصيبي
ومن يحلم بما لدي، ربما يكون لديه ما أحلم به أنا!
لا أحد كامل!
هل يحق لي حينها أن أعترض اذا تكلم عن متاعبه من شيء أتمناه؟ ؟
نعم.. حياتي ليست كاملة
وحتى عملي لا يجري كما أتمناه!
أحمد الله على كل حال، لكن لا أرى مانع من الفضفضة
ومن يزعجه كلامي ليس مضطرا لقراءته بكل بساطة!
"ما أقل أدبكم!"
تدور هذه الجملة في مخيلتي منذ البارحة
حين كنت جالسة في أمان الله
وسمعت فجأة صوت صبية يتكلمون أمام نافذة منزلي
يتكلمون عني، ويدعون علي أيضا!
لماذا؟
حاولت اختلاس النظر كي أرى المتحدث، ورأيته بالفعل
لكني لم أتعرف عليه للأسف
وكل ما أعرفه أني أدرسه، لذا فهو في الصف الخامس
لكني لا زلت أتساءل، لماذا يدعو علي؟
هل كنت أسوأ معلمة؟
مدة معرفتي بهم لم تتجاوز الأسبوع!
لم أستطع خلالها أن أتحدث معهم لمدة حصة واحدة على الأقل كما يتحدث المعلم مع طلابه
شرحت درسا واحدا فقط
وحتى هذا الدرس لم يستمع له جميع الطلبة :/
لا أريد أن أكمل الحديث في هذا الموضوع
ولا أريد أن أمسح الكلام الذي كتبته أيضا
كم أتمنى أن ينصت الجميع عندما أتحدث
أريد أن أخبرهم بأني معلمتهم
ولست عدوتهم كي يعاملوني بهذه العدوانية!
وقبل أن أكون معلمتهم أنا إنسانة
وكوني إنسانة يفرض عليهم احترامي حتى لو لم يحبوني
في الحقيقة لم أطلب منهم الحب أصلا!
فقط أريد أن أؤدي مهمتي..
أن أدرسهم، أن يفهمون، أن ينجحون..
لينتهي الفصل ولا أراهم مرة أخرى!
تنتهي العلاقة..
هكذا هو الحال
لذا لست أطالبهم بالحب على الإطلاق
منزعجة جدا..
وأشعر برغبة في النوم طويلا
رغم نومي مبكرا البارحة
ورغم علمي بأني حتى لو نمت لن أتوقف عن التفكير
لأنهم سيدخلون في أحلامي، ولن أشعر بالراحة أبدا..
ليت الطلاب يفهمون معاناة المعلم!
أو المعلم الذي يشبهني على الأقل
المعلم الذي يحبهم رغم كل شيء
والذي يخاف على مصلحتهم
والذي يبذل كل جهده كي يتعلمون
ويضيع كل وقته كي يكونون أفضل
ولكن ما هو المقابل؟
المضحك المبكي..
هناك من ينظر لراتب المعلم بعين الحسد
أما عني شخصيا فأنا لا أراه يساوي شيئا من التعب الذي يعانيه المعلم!
المعلم الذي يعود لبيته بأعمال المدرسة
المعلم الذي ينقطع عن أهله من أجل المدرسة
المعلم الذي يقصر في حق المقربين منه من أجل المدرسة
المعلم الذي يمرض بسبب المدرسة، ليس جسديا فحسب.. نفسيا أيضا!
وغيرها الكثيييير!
ما الذي سيعوضه هذا الراتب اذا ضاع العمر وأفنيته في هذه الوظيفة؟!
ومن الذي يقدر على الأقل؟!
أعلم أني ثرثرت طويلا
وليس لي رغبة بالتوقف
أريد أن أتكلم وأتكلم
بودي أن أصرخ في وجه العالم!
أحب أن أكون معلمة..
أحب ذلك جدا، وأستمتع به كثيرا
لكن صدمت أني صرت أكره ذلك أحيانا
ما السبب؟
لأني مع الصبيان لا أشعر بأني معلمة!
أدخل الصف، وكأني دخلت حلبة معركة
احاول أن أجعلهم يهدأون ويلتزمون الصمت ويسمعون ما أقول
أحاول أن أجعلهم يجلسون في أماكنهم
أحاول أن أمنعهم من الشجار
وأخيرا..
أحاول أن أشرح الدرس
والحقيقة هي أني لا أستطيع فعل أي شيء مما سبق
فهم لا يهدأون
ولا يجلسون
ولا يكفون عن الشجار
ولا يستمعون لي وأنا أشرح
ولا أستطيع شرح الدرس أصلا كما ينبغي بسبب الفوضى والإزعاج
لذا أخرج من الصف محبطة، منهكة، مثقلة..
ماذا عن البنات؟
البنات اكثر هدوءا من البنين، ومشاكلهن السلوكية أقل بكثير
ولكن لا أدري لماذا أشعر بأن لديهن صعوبة كبيرة في التعلم!
لذا لو أردت أن أمتدح البنين؟
سأقول أنهم أكثر ذكاء وأسرع استيعابا
فأنا لا أشرح الدرس كما ينبغي لكنهم يفهمون
ولكن هل هذا يكفي؟
هل سيشعرني هذا بأني معلمة؟؟
للأمانة لم أشعر بأني معلمة إلا خلال الفترة التي عملت فيها في مدرسة للبنات..
ولكني كنت أشعر بأني بحاجة إلى وقت أكثر كي أحقق الهدف الذي كنت أسعى إليه
كي أكون المعلمة التي أطمح أن أكونها
المعلمة الملهمة، المعلمة التي تملك عصا سحرية!
لست أدري هل سأعود للبنات؟
أم إلى أين ستقودني الأقدار؟
هل سأستطيع الصمود؟
أم سأستسلم في النهاية؟
.
.
سأتوقف عن الكتابة الآن..
ولا أدري هل سأعود لأكتب شيئا آخر مرة أخرى أم سأهجر هذه المساحة من جديد..
#معلمة في مهب الريح ....